أدب الاختلاف
صفحة 1 من اصل 1
أدب الاختلاف
لعل من أخطر ما أصيبت به الأمة الإسلامية من أمراض هو داء " الاختلاف "، ذلك الداء المستفحل الذي شمل كل حقل وكل مجتمع، حيث برزت أعراضه بشكل واضح في تيارات الصحوة الإسلامية المتعددة، الذي يحكم العلاقة بينها الصراع والتدابر والتناحر، مع العلم أن كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما حرصا على شيء بعد التوحيد حرصهما على تأكيد وحدة الأمة ونبذ الاختلاف بين أبنائها ومعالجة كل ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقة بين المسلمين.
ولعل مبادئ الإسلام ما نددت بشيء - بعد الإشراك بالله - تنديدها باختلاف الأمة وتنازعها، وما حضت على أمر بعد الإيمان بالله حضها على الوحدة والائتلاف بين المسلمين. وأوامر الله ورسوله واضحة في دعوتهما إلى وحدة الصف وائتلاف القلوب وتظافر الجهود وجمع الكلمة.
إن الإسلام ما أكد على شيء مثل تأكيده على " كلمة التوحيد " " وتوحيد الكلمة "، فالأولى تدعو إلى الإيمان بالله، وتنقية من كل شائبة، والثانية انعكاس عملي تام للأولى فمن كان ربهم واحداً ودينهم واحداً وكتابهم واحداً وقبلتهم واحدة لابد بالضرورة أن تكون كلمتهم واحدة لقوله تعالى: " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأن ربكم فاعبدون ".
ولقد قص القرآن الكريم علينا نبأ أهل الديانات السابقة للعبرة وبين لنا كيفية نهوض الأمم وجلا لنا أسباب التدهور والانحطاط وحذرنا من السقوط في علة التفرق وداء الخلاف قال تعالى: " ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون " كما حذرنا أن يكون العلم والمعرفة وسيلة للبغي كما حدث لأهل الكتاب " وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم " فهل ورثنا علل أهل الكتاب بدل أن نرث الكتاب ؟ وهل ورثنا البغي بدل أن نرث العلم ؟
إن مما لا شك فيه أن الاختلاف في وجهات النظر وتقدير الأشياء والحكم عليها أمر فطري طبيعي، بل ظاهرة الاختلاف تكاد تكون سنة مضطردة من سنن الله في خلقه وملكوته حتى أنه ليعز أن تجد في خلق الله شبيهين متطابقين في كل وصف وهيئة وجعل الله ذلك آية من آياته للتفكر والتدبر قال تعالى: " ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ". وقال أيضاً: " ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ".
والاختلاف بين الناس له علاقة بالفروق الفردية إلى حد كبير حتى أن القرآن الكريم بناء على هذه الفروق جعل المؤمنين درجات، فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات، ولكن مما يؤسف له أن نتحول الاختلافات في وجهات النظر من ظاهرة صحية تغني العقل المسلم وتثريه بخصوبة الرأي وعميق التمحيص إلى مرض عضال وسم زعاف أدى إلى التآكل والتفتت والتشتت والتندابر والتناحر بل مصيبة أصابت المسلمين في مقتل وذلك عندما يصل الأمر عند بعض المختلفين إلى حد التصفية الجسدية.
لقد أتقنا فن المبارزة والمحاججة والخلاف، وافتقدنا إلى آدابه وأخلاقياته، فكان أن سقطنا فريسة سهلة للتآكل الداخلي، والتنازع والتناحر الذي أورثنا معيشة ضنكا، وحياة فاشلة وانتهى بنا الحال إلى الفشل وذهاب الريح مصداقا لقوله تعالى: " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم "
وهكذا فإن أخطر ما يزعج الإنسان المسلم الغيور على دينه وأمته ويؤرقه ويملء قلبه بالحسرة إن تعادي الصحوة الإسلامية نفسها وأن يكون عدوها من نفسها كأن يضرب بعضها بعضا ويكيد بعضها بعضاً وأن يكون بأسها بينها شديد حتى وجدنا أبناء بعض تيارات الصحوة ليس لهم هم ولا شغل إلا الطعن والتشهير في العلماء وقد لبَّس عليهم إبليس بأن هذا من الجرح المشروع والقربات المقبولة هذا هو الخطر المزعج، أما أن يكون في الصحوة مدارس أو جماعات لكل منها منهجه في خدمة الإسلام والعمل على التمكين له في الأرض مع الالتزام بأدب الخلاف والتخلق بأخلاق الإسلام فضلا أن تكون هذه الجماعات تحمل عقيدة سليمة وفقهاً سليماً وأن يتم بين الجميع قدر من التعاون والتنسيق حتى يكمل بعضها بعضا ويشد بعضهم أزر بعض وأن يقفوا في القضايا المصيرية والهموم المشتركة صفاً واحداً كأنهم بنيان مرصوص فمثل هذا القدر لا يزعج ولا يقلق لأنه تعدد تنوع وليس تعدد تضاد ولكن الذي يدمى القلب حقاً أن يوجد بين الدعاة والعاملين من لا يقدر هذا الأمر حق قدره فتراه يبذر بذور الفرقة أينما حل ويبحث عن كل ما يوقد نيران الخلاف ويورث العداوة والبغضاء ويركز دائما على مواضع الاختلاف لا نقاط الاتفاق.
إن العقلية التي تريد أن تقضي على كل عمل إسلامي إلا عملها هي عقلية خاطئة، على اعتبار أن كثيراً من الموجود يصب في خدمة القضية الرئيسية والمركزية في حياة المسلم " لا إله إلا الله " وتعميق اليقين بهذا القرآن وبهذا الدين، ولو أننا ألغينا كثيراً من الاجتهادات الإسلامية من أجل اجتهاد واحد لما استطعنا أن نحل محل هذه الاجتهادات وبالتالي يضعف الإسلام نتيجة لذلك.
من هنا نقول: إن أي اجتهاد إسلامي يصب في خدمة الإسلام يجب أن ننظر إليه بإيجابية واحترام وتقدير، كما أنه من الصعب أن نتصور في هذا العصر أن تذوب الاجتهادات الإسلامية لصالح اجتهاد واحد، فهذا تقف دونه حوائل شتى وهو طمع في غير مطمع. وإن السلبيات في العمل الإسلامي الذي لا يشذ عن العقائد الصحيحة والفقه الصحيح تكمن في عدم وجود الوعي في فقه الاختلاف - والذي هو من أنواع الفقه الضرورية التي ينبغي على أبناء الصحوة معرفتها – فنحن لا نرى سلبية في تعدد العمل الإسلامي وتعدد الاجتهادات ما دامت العقائد صحيحة والأعمال مستقيمة.
لقد آن الأوان لأبناء الصحوة الإسلامية والأمم تداعى علينا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها أن يتخلصوا من العلل النفسية وأن يبحثوا عن نقاط الاتفاق - وهى كثيرة - وأن يطرحوا نقاط الاختلاف - وهي قليلة - وأن يركزوا على الأصول قبل الفروع وأن يتحرروا من التعصب وبهذا تتوحد القلوب، ونقترب من الغاية المنشودة وهي استئناف الحياة الإسلامية السعيدة.
ولعل مبادئ الإسلام ما نددت بشيء - بعد الإشراك بالله - تنديدها باختلاف الأمة وتنازعها، وما حضت على أمر بعد الإيمان بالله حضها على الوحدة والائتلاف بين المسلمين. وأوامر الله ورسوله واضحة في دعوتهما إلى وحدة الصف وائتلاف القلوب وتظافر الجهود وجمع الكلمة.
إن الإسلام ما أكد على شيء مثل تأكيده على " كلمة التوحيد " " وتوحيد الكلمة "، فالأولى تدعو إلى الإيمان بالله، وتنقية من كل شائبة، والثانية انعكاس عملي تام للأولى فمن كان ربهم واحداً ودينهم واحداً وكتابهم واحداً وقبلتهم واحدة لابد بالضرورة أن تكون كلمتهم واحدة لقوله تعالى: " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأن ربكم فاعبدون ".
ولقد قص القرآن الكريم علينا نبأ أهل الديانات السابقة للعبرة وبين لنا كيفية نهوض الأمم وجلا لنا أسباب التدهور والانحطاط وحذرنا من السقوط في علة التفرق وداء الخلاف قال تعالى: " ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون " كما حذرنا أن يكون العلم والمعرفة وسيلة للبغي كما حدث لأهل الكتاب " وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم " فهل ورثنا علل أهل الكتاب بدل أن نرث الكتاب ؟ وهل ورثنا البغي بدل أن نرث العلم ؟
إن مما لا شك فيه أن الاختلاف في وجهات النظر وتقدير الأشياء والحكم عليها أمر فطري طبيعي، بل ظاهرة الاختلاف تكاد تكون سنة مضطردة من سنن الله في خلقه وملكوته حتى أنه ليعز أن تجد في خلق الله شبيهين متطابقين في كل وصف وهيئة وجعل الله ذلك آية من آياته للتفكر والتدبر قال تعالى: " ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ". وقال أيضاً: " ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم ".
والاختلاف بين الناس له علاقة بالفروق الفردية إلى حد كبير حتى أن القرآن الكريم بناء على هذه الفروق جعل المؤمنين درجات، فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات، ولكن مما يؤسف له أن نتحول الاختلافات في وجهات النظر من ظاهرة صحية تغني العقل المسلم وتثريه بخصوبة الرأي وعميق التمحيص إلى مرض عضال وسم زعاف أدى إلى التآكل والتفتت والتشتت والتندابر والتناحر بل مصيبة أصابت المسلمين في مقتل وذلك عندما يصل الأمر عند بعض المختلفين إلى حد التصفية الجسدية.
لقد أتقنا فن المبارزة والمحاججة والخلاف، وافتقدنا إلى آدابه وأخلاقياته، فكان أن سقطنا فريسة سهلة للتآكل الداخلي، والتنازع والتناحر الذي أورثنا معيشة ضنكا، وحياة فاشلة وانتهى بنا الحال إلى الفشل وذهاب الريح مصداقا لقوله تعالى: " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم "
وهكذا فإن أخطر ما يزعج الإنسان المسلم الغيور على دينه وأمته ويؤرقه ويملء قلبه بالحسرة إن تعادي الصحوة الإسلامية نفسها وأن يكون عدوها من نفسها كأن يضرب بعضها بعضا ويكيد بعضها بعضاً وأن يكون بأسها بينها شديد حتى وجدنا أبناء بعض تيارات الصحوة ليس لهم هم ولا شغل إلا الطعن والتشهير في العلماء وقد لبَّس عليهم إبليس بأن هذا من الجرح المشروع والقربات المقبولة هذا هو الخطر المزعج، أما أن يكون في الصحوة مدارس أو جماعات لكل منها منهجه في خدمة الإسلام والعمل على التمكين له في الأرض مع الالتزام بأدب الخلاف والتخلق بأخلاق الإسلام فضلا أن تكون هذه الجماعات تحمل عقيدة سليمة وفقهاً سليماً وأن يتم بين الجميع قدر من التعاون والتنسيق حتى يكمل بعضها بعضا ويشد بعضهم أزر بعض وأن يقفوا في القضايا المصيرية والهموم المشتركة صفاً واحداً كأنهم بنيان مرصوص فمثل هذا القدر لا يزعج ولا يقلق لأنه تعدد تنوع وليس تعدد تضاد ولكن الذي يدمى القلب حقاً أن يوجد بين الدعاة والعاملين من لا يقدر هذا الأمر حق قدره فتراه يبذر بذور الفرقة أينما حل ويبحث عن كل ما يوقد نيران الخلاف ويورث العداوة والبغضاء ويركز دائما على مواضع الاختلاف لا نقاط الاتفاق.
إن العقلية التي تريد أن تقضي على كل عمل إسلامي إلا عملها هي عقلية خاطئة، على اعتبار أن كثيراً من الموجود يصب في خدمة القضية الرئيسية والمركزية في حياة المسلم " لا إله إلا الله " وتعميق اليقين بهذا القرآن وبهذا الدين، ولو أننا ألغينا كثيراً من الاجتهادات الإسلامية من أجل اجتهاد واحد لما استطعنا أن نحل محل هذه الاجتهادات وبالتالي يضعف الإسلام نتيجة لذلك.
من هنا نقول: إن أي اجتهاد إسلامي يصب في خدمة الإسلام يجب أن ننظر إليه بإيجابية واحترام وتقدير، كما أنه من الصعب أن نتصور في هذا العصر أن تذوب الاجتهادات الإسلامية لصالح اجتهاد واحد، فهذا تقف دونه حوائل شتى وهو طمع في غير مطمع. وإن السلبيات في العمل الإسلامي الذي لا يشذ عن العقائد الصحيحة والفقه الصحيح تكمن في عدم وجود الوعي في فقه الاختلاف - والذي هو من أنواع الفقه الضرورية التي ينبغي على أبناء الصحوة معرفتها – فنحن لا نرى سلبية في تعدد العمل الإسلامي وتعدد الاجتهادات ما دامت العقائد صحيحة والأعمال مستقيمة.
لقد آن الأوان لأبناء الصحوة الإسلامية والأمم تداعى علينا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها أن يتخلصوا من العلل النفسية وأن يبحثوا عن نقاط الاتفاق - وهى كثيرة - وأن يطرحوا نقاط الاختلاف - وهي قليلة - وأن يركزوا على الأصول قبل الفروع وأن يتحرروا من التعصب وبهذا تتوحد القلوب، ونقترب من الغاية المنشودة وهي استئناف الحياة الإسلامية السعيدة.
doha_fati- عضو جديد
-
عدد الرسائل : 17
المزاج :
تاريخ التسجيل : 29/12/2009
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى